نيرون

المُلَقَّب بالظالم

   من كتاب "L’Antechrist"  للعالم "رينان"  "Renan

   عُرف بالجَور والطبائع المتناقضة، إذ إنّه كان يُهدد الناس بالقتل إن لم يُعجَبوا بأشعاره، وكان يُحبّ أن يصفّق له السكان في المدينة، وذلك في مفارق الطرق، ويُسكره المجد الأدبيّ ويَهوى الفن، وكان فنّانًا متوسّطًا غير ذي إبداع، والفنُ عنده شيء بديع رصين، أمّا الفضيلة، في رأيه، فكذبٌ ، والرجل الظريف هو من يقول كلّ ما يخطر بباله، بلا خجل ولا خَفَر، ويُفَرّط بالبذخ والصَّرف، والرجل الفضيل هو اللّئيم الغاوي، والذوّاقة المُضِلّ، ولم يبلغ شأوه أحد من الظلّام لا "كلاكولا"] غاليغولا[ " Caligula" ولا "أتّيلا" ولا "جنكيزخان" أو "تمِرْلنك"  ]تيمورلنك[.

ازدهار المسارح:

   كان مولعًا بالألعاب والحفلات المسلّية، والحثّ على تنظيم الأعياد الغريبة، ويتلذَّذ ناظراه بصور التعذيب الجسديّ، فكثُرَت المسارح، وبات السّيركُ مركزًا مهمًّا، ونقطة الثقل في حياة المدنيّة، وكلّ شيء كان يصبُّ في طاحونة ملذّاتِ روما.

   وكان نيرون شديد الحسد، سريع الغضب، يتأثّر من أيّة خيانةٍ تبدر من أصحابه، مهما كانت صغيرة، فيندفع للانتقام منهم بدون شفقة، يغضب على من لا عاطفة عنده، ولا ميل له نحوه من عشّاق الفجور والدعارة؛ وكان دهّانًا وحفّارًا وشاعرًا فضوليًّا، مُحبًّا للأخبار والاختراع، مُغرمًا بأهل الموسيقى، ويُؤثر اليونانيين والمشرقيين الذين كانوا يصفّقون له ويهلّلون، على سواهم من البشر؛ وعنده أنّ المجد الوحيد هو المجد الفنّي، وكان خائنًا للدولة من لا يُقرّ بمواهبه ويمجّدها، ومن لا يُعجبون به، كانوا أعداءَ روما.

حريق روما في عهد نيرون:

   في التاسع عشر من حزيران العام 64 ميلادي، بدأ حريق المدينة، واستعرت الحرائق وشبَّ شررها واندلعت ألسنة النيران في سمائها بعنفٍ لا مزيد عليه، واستمرّت سبع ليالٍ وستة أيام، وسقط من جرّائها عدد عظيم من الضحايا، ومن أحيائها وأقسامها الأربَعَة عشَرَ التي تشكّل المدينة، ثلاثة منها دمّرت تدميرًا كلّيًا، وسبعة أخرى تحوّلت مبانيها إلى حيطان مسودّة، وكانت في هاتيك الأيّام تعجُّ بالساكنين.

   عندما شبَّ الحريق كان "نيرون" في موطنه الأوّل، أي "أنسْيوم" ]أنْتيوم ["Antium"، وهي إحدى مدن منطقة  "لاسيوم" ]لاتيوم[ "Latium" القديمة، ولم يؤُبْ إلى المدينة المحترقة إلّا بعد أن أوشكت ألسنة النيران أن تلتهم قصره الموقّت، وما عاد من الممكن إنقاذ شيء من الكارثة، إذ إنّ المساكن والمؤسسات الأميريّة الموجودة في "البلاتان" ]البلاتين[ "Palatin" إحدى تلال روما السبع، وحتى منزل نيرون ومتعلّقاته وما جاوره، إلتهمته ألسنُ النيران، ولم يكن لنيرون أيّة رغبة في إنقاذ قصره ذاك، إنما تلذّذ وتمتّع بالمشهد الفظيع المرعب، حتّى كاد يطير من الفرح، وقد قيل إنّه جلس على برج شاهق يُمتّع ناظريه برؤية الحريق، وهو مرتدٍ ثوب المسرح، والقيثارة بيده، يحرّك أوتارها ويغنّي ويعزف على أوزان الشعر الرثائيّ القديم، ويُنشد أبياتًا تمُتُّ بصلة إلى خراب طروادة (إيليبون)، وكان بعض أشخاص من حاشيته يهرعون إلى حرق الأحياء التي لم تبلغها النيران، وجنوده أنفسهم، ساعدوا في إنجاز هذه المهمة البشعة، وكانوا يمنعون الناس من إطفاء أي شيء، أو بناء، أو محلّ يشتعل.

   وبعدما أنجزت أعمال الحرق، لم يتوانَ الظالم عن إصدار أمر بالشروع في البناء والتعمير، فشيّد قصره الذهبيّ، الذي كان يحلم به منذ زمن، ويدغدغ خياله رؤيته شاهقًا، فحلّ محلّ قصره الموقّت مضيفًا إلى مساحته السابقة، مساحات أخرى فسيحة، استولى عليها من أملاك الناس، وكان فيها مساكن كثيرة أكلتها النيران، وأمر ببناء مدينة جديدة جبّارة تبسم لها السماء، وإذا قيل إنّ هذا الجبّار القاسي كان بوسعه أن يهدم ما يشاء من الأبنية والشوارع القديمة، بدون أن يلجأ إلى هذه الحيلة وذلك الأسلوب المخيف، فالجواب على هذا القول، إن الإمبراطور، على سلطانه وعتوّه، كان عاجزًا عن مسّ المعابد والأوثان الدينيّة المقدّسة، والمسارح التي يثور من أجلها شعب روما المحافظ؛ فالحريق إذن كان الوسيلة الوحيدة السهلة الممكِّنة من إدراك الغاية التي أراد؛ وهكذا كانت روما بآثارها المقدّسة، شبيهة بالمدن الإسلاميّة بجوامعها، وتكيّاتها، ومزاراتها التي لا يُسمح بأن تُمسّ لأجل الإصلاح.

نيرون والمسيحيُّون:

   كان سكّان روما يكرهون المسيحيين، معتنقي الدين الجديد المنطلق من سماء بلاد المشرق، المقيمين في مدينتهم، وعندما حصل الحريق واشتدّ أواره توجّهت تهمة افتعاله نحوهم، وشاعت الأخبار بأنّهم هم من سبّبوا الكارثة، وتحوّلت الإشاعة والأقاويل إلى ما شابه الحقيقة، وساد الاعتقاد عند الجميع، وعند نيرون بالذات، بأنّ ألسنة الناس أقوال الحقّ، وساعد على ذلك أنّ الأهالي كانوا يعرفون أنّ المسيحيين يكرهون الهياكل الرومانيّة الوثنيّة ويمقتونها، ويودّون لها زوالًا سريعًا، ويتنبّؤون بخرابها وحرقها؛ ولمّا حدث ما تنبّؤوا به، وهم أبرياء منه براءة الذئب من دم "يوسف"؛ تحرّك الرومانيّون وصبّوا جام غضبهم وسخطهم على أتباع الدين الجديد، وحرّضهم اليهود على ذلك، ووشوا بهم، واخترعوا وشاياتٍ كاذبة عنهم، زيادة في الإثارة والحقد الدفين، وكان الرومان في ذلك العصر قد تدنّت أخلاقهم وزاد فسادهم، وفقدوا العواطف الإنسانيّة والرحمة، فدفعهم الكره للمسيحيين، إلى استعمال أشد فنون العذاب والقسوة التي لم يعرف التاريخ مثلها، قديمًا وحديثًا، حتّى بات القتل عندهم ديْدَنًا لا بل دينًا، وصارت المذابح البشريّة واسطة من وسائط السلوى، ونزهة النفس، كالتمثيل والسينما والغناء والموسيقى، ووسيلة للتصفيق والضحك، إذ كان المسيحيون يُساقون إلى المسارح والسيركات، حيث تأتي جماهير الشعب لتتفرّج على التفنّن في تعذيبهم، وأساليب ذبحهم، وفي أيّام الأعياد، كان المحكوم عليهم يُلبسون جلود الضواري، ويدفعونهم إلى ميادين هذه الوحوش المفترسة، التي منها الكلاب الضاريات لتمزّقهم، ومنهم من كانوا يموتون صلبًا وآخرون يرتدون ثيابًا مغموسةً بالزيت أو الزفت والقار، يربطونهم باسطوانات معدّة للإنارة، حتّى إذا ما هبط الليل، تشتعل تيك الأجسام البشرية، فتكون بديلًا عن المصابيح في حدائق نيرون البديعة، الواقعة  وراء نهر " التيبر " وفي الساحة التي شُيّدت فيها فيما بعد كنيسة "مار بطرس".

   كان نيرون ذلك الظالم، يحبّ مشاهدة سباق الليل، فكانت تلك الأجسام تُنير طريقه كشموع الكنائس، وعُدَّ هذا النوع من التعذيب فنًا من الفنون الجميلة، فكان المُعَدّ للتعذيب، يلِج المسرح مرتديًا ملابس الآلهة الثمينة، أو مآزر الأبطال المحكوم عليهم بالموت، والممثّلين للخرافات الميثولوجيّة، وكان أحد أولئك التاعسين، يرتدي ثياب "هرقل" ويُقاد إلى جبل "إيتا" حيث يُحرق.

   وكانت المآسي تُمثّل تمثيلًا حقيقيًّا ويُحرق فيها الأبطال، وللتأكد من أنّها فقدت الحياة، كانوا يُحَمُّون الأسياخ لتحمرَّ كالجمر، فتوضع على الجثث ليروا ما إذا كانت تتحرّك وتختلج، ولم تُوَفَّر النساء من التعذيب، إذ إنّ كثيرات من المسيحيّات لاقينه، والمثل على ذلك أنّهم كانوا يربطون المرأة بقرن ثور هائج وحشيّ، وهي عارية، تنظر إليها عيون أبناء الشعب وتُصغي إلى صراخها، وتُصفّق تصفيقًا حادًا وتهلّل وتهزج أهازيج الفرح، عندما يمزّقها الثور تمزيقًا وينثر أحشاءها هنا وهناك وهنالك.

   ونيرون كان يحضر هذه المشاهد الفنّية (برأيه طبعًا) ويتذوّقها، ويفخر بمثل ذاك التذوّق الفنّيّ، تذوّق رجل خبير في علم الجمال – الأستاتيكا – فَجَعْجَعَةْ اللحوم البشرية تحت نيوب وأضراس الوحوش، كانت تَلذُّ له، ورؤية إبنة عارية تُجَرِّب أن تحجب عضو الطهارة بيديها، فيواثبها أحد الثيران المهتاجة، ويمزّقها تمزيقًا، ويرمي بأشلائها حصى الملعب، كانت تسبي فؤاده؛ وكان يجلس في الصفّ الأماميّ مع النساء والقضاة الطغاة، وهو ذو وجه قبيح دميم، وعينين زرقاوين، وشعر كستنائيّ اللون مُعقّص بشكل مدرّجات، وشفتين مخيفتين، وهيئة تنمّ عن بلاهة.

روما الوثنية والمسيحيَّة:

   لُقِّبت روما مدينة الشهداء، وكانت المدينة المقدّسة الثانية؛ والدين المسيحيّ قائم على الاستشهاد، وعذاب مائتين وخمسين سنة أي قرنين ونصف القرن، وحبّ العذاب في نفوس المسيحيّين، الداخلين في الدين الجديد المنطلق من المشرق، صار سمة من سماتهم وعلامةً تُشير إليهم، فكانوا يتراكضون إلى الموت، لذا كثر الشهداء ودُفع الناس بغريزةٍ سرّيّة، إلى الوقوف بجانب هؤلاء المعذّبين المضحّين بدمهم من أجل دينهم، ولم ينصرم وقت طويل حتى انقلب المساكين البائسون إلى قدّيسين؛ وذلك الاضطهاد كان من أنجع الوسائل في نشر الدين المسيحيّ، وتثبيت أركانه، في روما خاصّة، وفي أوروبا عامةً، وحلّ مكان الفن التعذيبيّ فنّ آخر هو فن جمال المسيحيّة؛ وبعدما كانت "روما" أكبر عدوّ، وأشرسه لهذا الدين الجديد، وكان إسم المسيحيّ فيها يُحتسب جريمة يُعاقَبُ عليها بالموت، باتت هذه المدينة مقدّسة، والعامل الفعّال في أن تبلغ درجة القدسيّة، كان نيرون الظالم الذي بظلمه وقهره، نشّط الدعاية للدين، ونشره، ووضع من دون وعي، حجر الزاوية لمدينة القدّيسين هذه، "ومار بطرس" يُرجّح أنّه مات فيها شهيدًا مصلوبًا، وكذلك امرأته التي يبدو أنه شاهدها بأمّ عينيه تُساق إلى التعذيب، فالموت! و"مار بولس" قُطع رأسه، والراجح أن ذلك حصل بعد أن حُوكِم، وليس كما جرى "لمار بطرس"، إذ صُلب في يوم عيد نيرون، زيادةً في أفراح سكّان روما.

الرُسُل العُمُد أو الأركان:

   "مار يوحنا" الإنجيليّ ألّف سفر الرؤيا في العام 68 ميلادي أو في مطلع العام 69 ميلادي، والقدّيسان الآخران "مار بطرس" و "مار بولس" يُعدّان أركان النصرانية الأوائل، مع القدّيس "جاك" والذين استشهدوا في العام 64 ميلادي، و"مار يوحنا" في العام 70 ميلادي سنة خراب "القدس" (وهو غير يوحنا المعمدان بن زكريّا و"إليصابات"، الذي بشّر بالمسيح وأُعدم حوالي العام 31 ميلادي بناءً على طلب "سالومي" ابنة "هيرودس فيلبّس"، وهي أميرة يهوديّة). وأمّا يوحنا الإنجيلي هذا فغادر روما خلسةً هاربًا من جَور نيرون، وجاء إلى شرقي جنوبي أوروبا، إلى مدينة "أَفَسُسْ" ببلاد اليونان، وبات رئيسًا على كلّ الكنائس النصرانيّة بعد موت القدّيسين "بطرس" و "جاك"، وصارت "أَفَسُسْ" مركزًا رئيسيًّا للمسيحيّة لمدّة من الزمن.

   وفي أيّام الطاغية أعلن المجتمع الرومانيّ القاسي الحرب على التقوى، في بلاد حوض البحر المتوسط، قاطبةً شرقيّها وغربيّها، وانغمس في بُؤرة المظالم والترف، والفجور والدعارة، واشتدّ الصراع بين الرذيلة والفضيلة، وزاد اشتعاله ولهيبه انتصار نيرون للرذيلة، وقد تأكَّله الحسد ضدّ الخير والفضيلة.

الرومان واليهود:

   استولى الرومان على منطقة "اليهوديّة" "La Judée" عام 63  قبل ميلاد السيد المسيح، وكان  قائدهم "بومبي" "Pompee"، ولم تكُ سياستهم قائمةً على مبدأ التوحيد بين "روما" العاصمة والمستعمرات، وخلق شعبٍ واحد، متعدّد العناصر واللّغات والأوطان، بل كان همّهم الأول أن تكون سياسة الحرب والسلم في أيديهم دون سواهم؛ فكان اليهود بسبب ذلك مستقلّين استقلالًا نصفيًّا متمتّعين تمتّعًا كلّيًا بحرّيتهم الدينيّة، لا يتعرّضون لأي اضطهاد في أيام "هيرودس الكبير" (ملك اليهودية ما بين العام 39 قبل المسيح والعام 4 بعد المسيح)، ولا في زمن ولده "هيرودوس أنتيبا" [Herod Antipater] المعروف باسم "Antipas" الذي كان رئيس منطقة الجليل، والذي حاكم يسوع الذي أرسله له "بيلاطس" وأمر بقطع رأس "يوحنا المعمدان"، ودام حكمه من العام 4 قبل المسيح حتى العام 39 بعد المسيح)، لأنّ الرومان أرادوا أن يوطّدوا حكمًا علمانيًّا، لهذا لم ينشب بينهم وبين اليهود خصام، في بادىء الأمر، لأن هؤلاء الأخيرين كان يهمّهم سيطرة الدين لا السيطرة السياسيّة التي ارتضوا أن تكون من اختصاص الأقوياء "الرومان"، وقد أُشبهت حالتهم معهم، حالة الجزائريين مع فرنسا، (التي كان همّها السيطرة السياسيّة، ولم تتصدَّ للدين الإسلاميّ ولم تُعارضْ أهله في ممارسة طقوسهم الدينيّة)؛ ولم يكن اليهوديُّ يتطوّع في الجيش الرومانيّ، كما كان يحصل في سائر المقاطعات الرومانيّة، (في مقاطعة فينيقيا مثلًا)، وسبب الخلاف بينهم بدأه اليهود، إذ إنه في السنة 66 بعد المسيح، ثاروا عليهم، ولهذا أعطيت الأوامر بعد هذا التاريخ بذبح اليهود، وبات من المتعذّر التوفيق بين الفكرة اليهوديّة الدينيّة، والفكرة الرومانيّة اليونانيّة.

   كان العالم القديم يمقت اليهود لتعصّبهم الديني وأنانيّتهم؛ فاليهوديّ حتى يومنا هذا كان يتسلّل إلى كلّ مجتمع، وإلى كلّ مكان، ويرفع الصوت مطالبًا بالحقّ العامّ، وفي الحقيقة فإنّه لم يكن يمارس هذا الحق العامّ، إذ إنه كان يحتفظ بنظامٍ خاصّ له، ويريد لنفسه ضمانات يؤمّنها له الجميع، واستثناءات وقوانين له وحده؛ كان يريد اكتساب مغانم وميزات الشعوب، بدون أن يكون شعبًا، وبدون أن يشارك فيما تتحملّه الشعوب من أعباء ومسؤوليات، وهذا شأنٌ لم يتحمّله يومًا شعبٌ قطّ، من الأنام ولم يتساهل فيه إطلاقًا.

   وهكذا جنى اليهود على أنفسهم بهذا التصرّف، فأحرق "تيتُس" (Titus) مدينة القدس بعد أن احتلّها في العام 70 بعد المسيح، وخرّبها وبقيت مخرّبة هكذا حتى العام 122 بعد الميلاد، حيث أخذ بإعادة بنائها الإمبراطور الرومانيّ "أدريان".

   و"تيتُس" المذكور فظّع تفظيعًا هائلًا باليهود، فكان يعاملهم معاملة "نيرون" للنصارى، إذ يُطلق الضواري الجائعة عليهم، لتمزّقهم في مواسم الأعياد، وفي "بيروت " بالذات، أمر بقتل ما يربو على ألفين منهم في يوم عيد مولد أبيه "فسْباسْيان" (Vespasian).

   وهكذا تغلّب الحقّ الرومانيّ، القائم على المنطق والعقل، على الثورات والقانون اليهوديّ المستند إلى الوحي، وهو قانون تعصُّب أعمى وحزبيّة قتّالة، بعكس القانون الرومانيّ ذي الروح العلمانيّة، والمسنون ليكون في مستوى الجميع ومصلحتهم. أمّا اليهود فلم يخرج منهم سوى الكنيسة، والقيم المرتكزة إلى الجبريّة، والبيعات وعالم شبيه بعالم القرن الخامس، الذي فقدت فيه الإنسانية كلّ معانيها لو لم ينقذها البرابرة؛ وثارت "أورشليم " لاندحارها وهبوطها، وجاورت مدينة روما المنتصرة بالمسيحيّة؛ وظلّ الشعب اليهوديّ فريسةً لحُلمٍ بشيء ما عالميّ الطابع، أمّا الإسلام فخلق إمبراطوريّة عظيمة، إلّا أنّه قضى على كلّ قوميّة عند الشعوب التي أخضعها لسلطانه.

                               من كلام رينان ببعض التصرّف

                                         يوسف س. نويهض